الثلاثاء، 15 مايو 2012

كل خلية اليوم في سوريا تنبض بالحياة

الشعب السوري المنتفض اليوم، يهز البداهات، ويسقط شرعية ليس النظام الحاكم وحسب، وإنما أيضاً مفرزات نصف قرن من الركاكة. السوريون اليوم يستيقظون من كابوس دام أربعة عقود, ويقررون بدايةً بات من الصعب تجاهلها. بينما التجربة الملموسة
للأحداث فتشير إلى أن التاريخ يصنع هنا بالتحديد.
تفتتح إحدى قرى دير الزور انتخاباتها المحلية بقوائم تتراوح بين المطالبة بإسقاط النظام والدعوة إلى محاكمة الرئيس، وما على الناخب سوى اختيار اسم مرشحه في مسرحية لا ينقصها الإبداع ولا العفوية، بينما خشبة المسرح ستكون إحدى المظاهرات التي خرجت إلى الشارع شاهرة صوتاً صار من الصعب طمسه فكيف العبث في محتوياته.
الثورة في الإبداع، والإبداع في الثورة. برنامج الثورة السياسي يتحول إلى أغنية، تتلقفها الحناجر الجائعة للصراخ, تجري تعديلاً طفيفاً عليها يتناسب مع لهجات المدن المنتفضة المختلفة، فتتحول الأغنية إلى كابوس يستدعي قناصي الحناجر.
لا تستنفذ أشكال التعبير أدواتها، إذ تقفز كفرنبل من بين زحام الأسماء المنسية وتتصدر فناً يصعب تصنيفه وفق قواعد اللغة السائدة. يصرخ المنتفضين عبر إحدى لوحاتهم: “يسقط النظام العربي.. يسقط العالم الإسلامي.. تسقط المعارضة.. يسقط النظام.. يسقط كل شيء” وهنا لا يسع المراقب سوى الشعور بالدهشة حيال وعي يتكثف ويتجلى عبر أشكال لا حصر لها. هو وعي الرفض إذن، الذي يتحول بهمة أصحابه إلى قوة نقض تهدم ما علق من شوائب في تاريخ يقول المنتفضين أنه بات لأول مرة تاريخهم.
إن تجربة الثورة السورية –وكل ثورة- تجربة مفتوحة على الإبداع والابتكار، وكل إبداع هو فعل ثوري، وعندما يلتقي الإبداع مع الثورة نكون إزاء فعل تاريخي يصح أن نسميه بالفعل الخلاق.
تتنافس المدن السورية الثائرة اليوم في التعبير، تضيق اللغة السائدة عن التعبير بأشكالها الكلاسيكية، إذ ذاك تقفز إحدى مدن درعا لتكتب على الأرض وبخط من نار: يسقط النظام.. ويرقص الثائرون حول العبارة المكتوبة على الأرض بطقوس من الفرح تستثير الرغبة في الحياة من جديد. أنجز السوريون ثورتهم، لا لأنهم خرجوا إلى الشارع محطمين صنم المرحلة السابقة، بل لأنهم استطاعوا هدم السائد والمتشابه، واستبداله بالمختلف والمتميز.
في مدينة الزبداني تصرخ إحدى اللوحات: “يا حيف.. الأردن ولبنان والعراق.. حكومات بدون شعوب” تكثف العبارة السابقة وعياً سياسياً صار من الصعب منع تسربه إلى دول الجوار، فالثوار اليوم يتجاوزون في نشاطهم السياسي حدود الوطن ليصبحوا مصدر إلهام وتحريض للشعوب المجاورة التي ما تزال تقبع تحت حكم الديكتاتوريات.
كل خلية اليوم في سوريا تنبض بالحياة وبالتيقظ, لا شيء يفوت المنتفضين، فهم من يصنع الحدث، وهم من يراقب كيفية صناعته. في الصنمين إحدى القرى الثائرة، يكتب على لوحة: “المعارضة السورية.. ابقوا مع نبض الشارع وإلا رحلتم مع النظام” في إشارة واضحة إلى أن الشعب المنتفض خرج من قمقمه ولن يسمح بعد الآن بأي شكل من أشكال التلاعب, فالكلمة الآن هي للشارع.
لا شيء يحول دون تسرب أسباب الحياة وتجلياتها وذلك على الرغم من الموت الذي ينشره ما بات يعرف بمرتزقة العصر مغول المرحلة.
السوريون اليوم يكتشفون صوتهم.. فرحهم.. رفضهم.. وقدرتهم على تحطيم الاوثان. ولا يختلف اليوم العالم الافتراضي –الفيس بوك- عن العالم الواقعي، فالسوريون أينما حلوا في هذه الأيام حلت معهم سخريتهم وإصرارهم على إثبات ذات جمعية لم تفعل سنوات القهر سوى تقزيمها وقمعها. وكثر في هذا المجال ما يدعى باللغة السورية “بالنكتة” وهو أسلوب اعتمد هنا للتهكم على النظام ورموزه, كما إبراز الروح المقاتلة لدى أفراد الشعب السوري المنتفض. يروي أحدهم على الفيس بوك نكتة فيقول: سأل أحدهم سيدة كبيرة في السن: هل ما زلت تريدين الخروج لإسقاط النظام؟ تجيب العجوز: لا يا بني أريد الخروج لإعدام الرئيس!!. في إشارة واضحة إلى أن الثورة في تقدم وأن الشعب في إصرار.
إن أهم ما تقوم به الثورات هو أنها تدفع الشعوب إلى هدم المقدس في بنية نظمها السياسية, وتحرر ما في أعماقها من قدرة على الحياة، وفي سوريا كما في باقي البلدان العربية، يجري على ضوء الانتفاضة الراهنة إعادة تشكيل هوية جديدة، كادت سنوات القهر أن تفرغها من
أي دلالة أو معنى. فالحدث الراهن يكتسب أهميته في كونه حدث ينطوي على عملية ولادة وبناء عظيمة راحت تفتح أفقاً كان من الصعب تخيله قبل أشهر من الآن؛ وهو حال الثورات عموماً في أنها تفاجأ أكثر العقول شطحاً في الخيال, كما تجعل من الدهشة شعور سائد ومشترك لدى الجميع.
—————–
مجموعة ثورة حياة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق