الثلاثاء، 15 مايو 2012

نقطة نظام

منذ بداية سلسة التفجيرات الإرهابية التي تصيب دمشق و حلب، اشتدت حرارة النقاش حول القاعدة أو غير القاعدة، النظام خلف التفجيرات أم لا، مع أو ضد.
بنفس الوقت أصبح الطابع الإسلامي يبدو مسيطرًا على نهج الثورة السورية (و ليس بمعنى سلبي كم يشاء البعض إكساب هذه الصفة على كلمة إسلامي بكل أسلوب ممكن) و ذلك يبدو سواءاً بتسميات أيام الجمع, أو بالطابع الذي يكتسبه الجيش الحر, أو بالدعم
الخارجي الخليجي. تأتي هذه التطورات بوقت ما زال الخطاب الرسمي للنظام الأسدي قائم على الترديد الببغائي عن تعرض سورية لهجوم من عصابات مسلحة, و رغبته بإقناع العالم بأنه متمسك بمبادرة كوفي عنان ليثبت أنه ضحية هجوم إرهابي يسمح له بإعلان الحرب على النحو الذي قام به حتى الآن.
هذا الاستكلاب من النظام لاستغلال كل تفجير بأبشع الطرق و أكثرها استفزازًا جعلنا جميعًا نميل إلى اتهام النظام نفسه بالوقوف خلف هذه التفجيرات، ليصبح الخطاب الرسمي للمجلس الوطني قائم على هذا الاتهام.
و ظهرت فئة ضمن المعارضة تبالغ في نفي الطابع الديني عن الثورة السورية و تدخل بلعبة تبادل الاتهامات و التكذيب و حتى تزوير الحقائق مع النظام.
اليوم عندما يضع المرء نفسه كمتفرج خارجي على الوضع السوري، فإنه يشعر بأن الحوار غير المباشر بين النظام و الثورة مقتصر على إثبات نظرية العصابات المسلحة أو نفيها.

أعتقد أننا اليوم أصبحنا بحاجة ماسة إلى نقطة نظام تخرجنا من هذه الدوامة:
أولاً يجب الاعتراف بأن الطابع الإسلامي مسيطر، فلو اقتصرنا على شق المقاومة المسلحة, شق فرض نفسه كلاعب رئيسي بالثورة السورية, فنحن لا نستطيع أن نقول أن هذه المقاومة تأخذ من نهج تشي جيفارا نهجًا لها و هي لم تحاول أن تنفي عنها تمسكها بإظهار انتمائها الديني بأي لحظة تمر عبر الأفلام المسربة… بنفس الوقت لا يجب أن نستمر بنقاشات لا طائل منها حول النتائج السلبية أو الإيجابية لهذا الطابع… فبظل هذا الإحساس بالظلم الشديد و بمواجهة هذا العدو الشرس و بظل بعض الضغوطات الناجمة عن طبيعة الجهات الممولة سواءًا كانت داخلية أو خارجية، يبدو الطابع الديني نتيجة طبيعية لا يجب أن يتحمل أصحابها اللوم أو الاتهامات الجائرة بالخيانة أو العمالة أو الجهل… عدا أن مثل هكذا نقاشات غير مجدية بظل أزمة الجوع و التشرد و الفقر و مرور ١٥ شهر على الثورة و الوزن الكبير للأرث الفكري الإسلامي في سوريا.

ثانيًا، أن الرأي العالمي سواءًا الشعبي أو الرسمي لا يهتم بحقيقة وجود القاعدة أو لا, و لن يتغير سواءاً كان النظام ضحية عصابات إرهابية سلفية أو لا. عندما يقول رئيس دولة عظمى أن بشار الأسد فقد شرعيته و عليه التنحي فهو لا يعني أنه لو وجد عصابات مسلحة فإن الأسد سيكتسب من جديد شرعيته و سيسمح له من جديد بحكم سوريا إلى الأبد و ستعود المياه إلى مجاريها كما لو أن شيئًا لم يكن.
يجب أن نتذكر أن صانعي القرار بالدول العظمى هم قراء جيدون للتاريخ و يعلمون أن الأسد دكتاتور قبل أن تقوم الثورة (ربما أكثر مما يعرف السوريون نفسهم) كما أنهم يعرفون و بتفاصيل أكبر بكثير مما نحن نعرف عن تجارب دول أخرى ثارت بوجه مستبدينها. شعوبهم أيضاً تعرف, الشعب الفرنسي الذي يعرف كم حملت ثورته من الموت و الفوضى لن يلوم السوريين أو يدعم مستبدهم مهما زاد الموت أو زادت الفوضى، هذا الشعب نفسه يعلم أنه عندما نزل ٥٠٠ ألف منهم إلى الشارع عام ١٩٦٨ كانوا كافين لدفع بطل فرنسا شارل ديغول إلى الاستقالة من الحكم. الشعب الأمريكي الذي يعلم كم كلفته حرب الاستقلال من أرواح و انقسامات بين العائلات الأمريكية، يعلم أن الحرية لا ثمن لها و لا ترخص من أجلها روح.
و إذا كان التعامل الدولي مع القضية السورية مختلف عما يمكن أن يكون عليه بمكان آخر، فلذلك أسباب عدة و لا يجب حصرها بالتخوين و دعم النظام و مصلحة اسرائيل. السياسة لعبة معقدة و المعطيات الحالية ابتداءاً من الوضع الجيوبوليتيكي لسوريا و مرورا بالأزمة الاقتصادية العالمية, و انتهاءاً بالمنافسة الحادة التي خلقتها دول صاعدة اقتصاديا و أخيراً المارد الصيني الذي يفرض نفسه كلاعب عملاق على الأرض يفرض شروطه دون نقاش أو تحفظ، كل ذلك يؤثر وبشدة على كل قرار تأخذه حكومة منتخبة ديمقراطيًا. عدا عن كثير من التساؤلات التي فرضتها تجارب مصر و تونس و ليبيا و اليمن.

ثالثاً، لا يبدو الوضع اليومي المعيشي الحالي بسوريا مختلف عما كان عليه في دول عانت من حروب أهلية كلبنان و الجزائر و العراق، الأسعار بارتفاع مستمر و حركة الاستيراد بطيئة، سوق العمل بانهيار، حركة البيع و الشراء للعقارات معطلة، و النزوح و التهجير مستمر، و الموت بالعشرات كل يوم. ما يمنع حتى هذه اللحظة المعلقين من اطلاق صفة الحرب الأهلية على ما يجري بسوريا هو غياب عمليات تصفية مدنية من طرفين متقابلين. فحتى هذا اليوم لم نسمع عن سيارات تحمل على ظهورها مسلحين ملثمين يقتحمون ساحات قرى ذات أغلبية سكانية من الأقليات و تطلق النار على المارة. لم نسمع عن تفجيرات تصيب كنائس أو تحدث بأماكن تجمع كالأعراس، و هذا أمر رائع يدل على ضبط نفس و التزام بأهداف الثورة.

رابعًا, الدول الغربية ليست بحاجة إلى المراقبين و لا لصحفيين لكي تكون فكرة عما يجري على الأرض السورية، جميع هذه الدول قادرة على الحصول على كل ما تحتاجه من معلومات عبر أجهزة استخباراتها. و هناك احتمال كبير أن تقرير المراقبين جاهز، و ما يجري الآن ليس ترقب نتائج هذا التقرير و إنما دراسة لما يجب أن تأتي به الخطوة التالية.

خامسًا و أخيرًا, أصبح لازمًا على صناع القرار من جهة الثورة السورية و اعتقد أنهم أصبحوا يعرفون أنفسهم العمل على استراتيجية مختلفة عن وضع العمل السلمي بمواجهة العمل العسكري و محاولة تنظيم جهودهم بشكل أوضح بالمهام المختلفة (الإغاثة، الحوار السياسي مع الخارج، العمل الميداني) و الأهم هو عدم اليأس عن خلق ثغرات ضمن الصورة الذي يحرص النظام على تقديمها و هي تماسكه.

يجب أن يستمر العمل للوصول إلى انهيار الحكومة و استقالة الوزراء، يجب أن نرى رتب عسكرية عالية ترفض العمل مع جيش الأسد. دون أن يكون هناك دعوة إجبارية لهؤلاء الأشخاص لإعلان انشقاق أو الانضمام إلى صفوف الثورة. يكفي بيان استقالة بسبب فشل الحكومة الحالية عن القيام بمهماتها كحفظ الأمن و حل الأزمة بشكل ناجح. مع قيام المجلس الوطني و الجيش الحر بكل ما يمكن لتأمين الحماية لهم. يجب التوقف عن اعتبار كل من لم يعلن انشقاقه كعدو و إنما النظر إليه كمكسب ينفع الثورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق