الخميس، 24 مايو 2012

هل تأخر النصر ؟

قيل لأحد الأباة: “ما فائدة سعيك غير جلب الشقاء على نفسك؟”. فقال: “ما أحلى الشقاء في سبيل تنغيص الظالمين”
أستفتح مقالي بهذه العبارة التي نقلها الكواكبي ، وأنا هُنا لا أُنظّر لأهل الإباء في سوريا وأنا مُتكئ في مكان لا يعلمه أحد !
أنا أُشارك ذلك النَّفسَ الحرّ ليس أكثر، أسلُو بإخواني وأُسلّيهم ، وأنا أرقُب حالاً أفضل لهم ، كما ترقُب بقية الشعوب العربية
والمجتمعات الإسلامية.
ولأن تنغيص حياة الظالمين يُدفَعُ له ثمنٌ باهض ، ولأن الحقوق تُنتَزعُ ولا تُوهب ، ولأن الحرية والعدل تُرخص من أجلها الحياة ، ولأن أنصاف الثورات مجزرةٌ للشعوب ، قام إخواننا السوريين على رئيسهم الغاشم ، الذي طالما قمعهم وقيّدهم ، واندفعوا يبذلون كلّ شيء ، ولم يُتوقّع في أي دولة عربية ثارت ، أن تقوم ثورتها بعد أسبوع من قبل الثورة ، وهذه عادة الثورات ، إذ تُعبّؤ ثمّ تنتفض ، وكما أن لحظة الانفجار الذي ولّده الكبت لا يتكهنُها أحد ، فلحظة الانتصار بعد الانفجار لا يتنبؤ بها على وجه التحديد أحد ، وهذه عادة الثورات والمُلمّات ، ألم ترَ إلى قدوتنا الأول صلى الله عليه وسلّم إذ تَنزّل عليه في غزوة الأحزاب قول الله تعالى : ( إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتُلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً) فما أشبه الليلة بالبارحة ، حينما عظُم الخطبُ واشتدّ الكَرب ، وأطبقت القبائل على المدينة ، وبلغت القلوب الحناجر ، جاء النصر من عند الله ، جاء في أثناءٍ لم يحزرها أحد ، إلا المؤمنين الصادقين الذين كانوا على أتمّ ثقة بنصر الله وفتحه ، وإن رأيت بداية الآيات لقرأت : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً) إذ يستفتحُ الله النتيجة قبل المحنة ، ويروي الفوز قبل الهزيمة ، ويُرينا النور قبل أن يُشير إلى الامتحان.
أتذكرون حكاية الخندق ، يوم أن ضرب النبي صلى الله عليه وسلّم الصخرة التي استعصت على التّفَتُت ، ووعد المسلمين بسواري كِسرى ، كهذا الإيمان هو الذي يصنع النصر ، كهذا التفاؤل هو الذي يُبدد الظلم ، والذي أراه كما يراه غيري ما فعل الإيمان بالمبدأ والتضحية والبذل من أجل العقيدة هُناك ، حيث الأراضي السورية ، وأجدُني أُتمتم ( الشكر لله على أن سوريا لهؤلاء السوريين ).
تضيق الأزمة لتنفرج ، وكلّما ازداد ضيقُها كلّما قرُب انفراجها ، ولا يغلب عُسر يسريْن ، قال الشاعر:
ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها *** فُرجتْ ، وكنتُ أظنها لا تُفرج
وإن ماحدث في الثورات العربية الحديثة في طلب الكرامة لهو الاستثناء التاريخي ، إذ الأصل في المطالب الشعبية امتداد الوقت وطول الزمن ، والتاريخ السوري تاريخٌ مليء بالعز والإباء ، كالأسد حينما يستكين لينتفض ، ألم يُفني حافظَ حَماة ، ألم يقل أحمد شوقي قصيدته “دمشق” ، وفيها :
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ *** بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ *** وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ
ألم تُمضي الجزائر ثمان سنين ١٤٥٤-١٤٦٢ م في ثورتها ضد الاستعمار الفرنسي ، وصارت بلد المليون شهيد ؟
وزادت مُدة ثوراتها كلها عن مئة وثلاثين سنة ؟
ألم تمضي الثورة الانجليزية عشرين سنة ؟
ألم تدُم الثورة الفرنسية أزيَدَ من عشر سنين ؟
واُخترعت المقصلة آنذاك من أجل قتل الناس ، وسمّيت على مخترعها جيلوتين ، وبلغ عدد قتلاها ثلاثون ألف شخص ، ثم صارت المقصلة شعار الثورة ؟
إن الثورة الرومانية هي ختام الثورات الأوروبية ، وكانت ضد تشاوتشيسكو ، خلّفت أكثر من ألف قتيل ، ودامت ثمانية أيام وهي أفضل حال الثورات الأوروبية.
كما فعلت الثورة الاندونيسية على سوهارتو .
بل وحتى ما تُدعى الثورة المخملية بشيكوسلوفاكيا ١٩٨٩ م.
وسَرْدُ مثل هذه الثورات يطول ، إذ أن كلّ الثورات العربية التي قامت قريباً باستثناء ليبيا وسورياً طبعاً بالقياس أعلاه هي ثورات مُخملية ، لما درج في أوضاع الثورات من عادة سفك الدماء أزيَدَ منها حاليّاً ، واضطراب الموازين ، وعندها تنفك مقاييس الأرض لمقاييس السماء .
وتأمل كيف خلّفت هذه الثورات من رخاء ونعيم لذُرياتهم ، وحرياتٍ لأجيالهم وهذه أكبر مكسب كما قالت كاميليا بولات في تحسُّرها على عدم مُشاركاتها في ثورة بلدها الرومانية ، وتحسّر مثلُها كثير في بُلدان أُخرى.
آمن الشعب السوري فأقدَم من أجل الله -عز وجلّ- ومن أجل وطنه وضمان مستقبل أبناءه ، ولذاك أُوقِنُ باستمرار بذلهم وعطائهم ، واسترخاصهم للغالي ولأرواحهم ، وإما النصر أو الشهادة ، ولسان حالهم يقول : لو خافَ الطائرُ الذّبح ، ما حام حول القمح .
وهكذا تبلغ لحظةٌ يحتدم فيها الحق والباطل ، حتى إذا استيئس الناس وظنّوا أنهم قد غُلبوا جاءهم نصر الله ، فيَدمغُ الحقَّ الباطل فإذا هو زاهق ، ولا يغلب عسرٌ يُسريْن ، ويبقى الله عند حسن ظن عبيده به ، مثلما بقاء السوريين في النضال والإباء وحسن الظنّ بالله.
عمر القديمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق