الخميس، 2 أغسطس 2012

الأردن يتجه نحو تنسيق 'أكبر' مع الجيش السوري الحر وشفافية 'ميدانية' تشرح ما يحصل على الحدود وحضور لإجتماعات برعاية الأمير بندر

عمان ـ 'القدس العربي' غياب الأضواء الإعلامية طوال يومين ماضيين عن نقطة الحدود الملتهبة بين الأردن وسورية لا يعني عمليا عدم حصول 'مستجدات' أو عودة هذه الحدود إلى طبيعتها تماما فالتصريحات التي تبنى 'لمصدر عسكري أردني مجهول' في الإعلام العربي تكاثرت الأسبوع الماضي على نحو يوحي بأن 'الشفافية' تقرر أن تكون جزءا من الإستراتيجية الأردنية في التعاطي مع
تداعيات الحدود السورية.
بالعادة لا تصدر تصريحات عن مسائل مهنية أو عسكرية بصورة إنفرادية في الأردن إلا عبر بيانات رسمية مدروسة بعناية فائقة لكن ظهور تعليقات تخص ملفات 'أمنية' بحتة على الحدود في وسائل إعلام عربية مؤخرا من بينها الجزيرة وغيرها خطوة توحي بما يراد سياسيا ورسميا أن يوحى به وهو سيناريوهات متعددة ومفتوحة في هذه الحدود الساخنة.
عند الحفر بصورة أعمق يتبين بأن التفسيرات 'العسكرية المهنية' التي نقلتها مؤسسات إعلام عربية مؤخرا عن تفاصيل الإشتباك اليتيم بين الجيشين السوري والأردني مالت إلى التفصيل وإكتست بمصداقية تجاوزت التعليقات المدنية التي صدرت عن الحكومة.
هنا يمكن ببساطة ملاحظة بان الحكومة تحدثت عن إطلاق نار بالهواء فجر الجمعة الماضية لتأمين لاجئين إستهدفهم الجانب السوري فيما جاء المصدر العسكري لكي يبلغ الجزيرة عن إطلاق نار ليس على الجنود السوريين ولكن على مواقعهم بحيث تم فعلا تدمير مركزيين للجيش السوري بدون تقصد توجيه النار على أي جندي سوري.
يوحي ذلك بمشهد عسكري أردني في غاية الإحتراف عمليا فالمؤسسة العسكرية الأردنية تقول ضمنيا بأنها لن تسمح بإصابة جنودها ولا بإطلاق الرصاص داخل الأرض الأردنية حتى لو كان الهدف منع تنقل اللاجئين.. هنا تقوم المؤسسة العسكرية بواجبها في إنفاذ قرار إنساني وسياسي على مستوى القيادة تحدث عنه العاهل الملك عبدلله الثاني شخصيا وهو إستقبال اللاجئين.
لكن يقرأ من بين أسطر تعليقات المصادر العسكرية الأردنية المنشورة أن النار الأردنية أخطأت قصدا جنود النظام السوري وإستهدفت مراكز لوجستية تعود لهم وكل ما عملت له لفت نظرهم لإن الجاهزية للرد واردة في حالة إستهداف الأردنيين أو أرضهم.
الرسالة الأردنية في جانبها العسكري والسياسي تقول ضمنيا لجيش بشار الأسد: لا تحاول إختبارنا... بالفعل أربعة أيام بعد حادثة الجمعة الماضية التي تخللها تبادل لإطلاق النار لم تشهد الحدود أي نشاط عسكري سوري نظامي ولم يطلق الرصاص على لاجئين سوريين لعدة أمتار قبل الشيك الفاصل الأردني.
بالمقابل تدفق المئات من اللاجئين ووصلوا فعلا وتولى الجيش الحر بالتنسيق مع الأردنيين حمايتهم وفي مكتب رئيس الوزراء الأردني فايز الطراونه قال أحد الوزراء: تعرف دمشق حجم الضغوط التي تمارس علينا للإنقلاب ضدها وعليها أن تضبط أدائها العسكري على حدودنا.
المصدر العسكري الأردني الذي تحدث للجزيرة كشف النقاب عن معلومات يتداولها السياسيون والنشطاء في الواقع عندما أشار لهبوط عام في معنويات الجيش النظامي السوري الموزع بطريقة غير مهنية وغير محترفة على أماكن متعددة وبدون تزويد وإمداد في منطقة درعا المحاذية للأردن ومحيطها والتي يسيطر عليها عمليا الجيش السوري الحر وفقا للأردنيين.
عمان هنا حصريا أرادت إبلاغ الجميع بعدم وجود جيش سوري حقيقي أصلا بالمنطقة.. لذلك ألمح المصدر: توغلنا قليلا بعد إطلاق النار علينا ودمرنا مركزين للجيش النظامي، الأمر الذي لم تتحدث عنه الحكومة سياسيا وإعلاميا خصوصا وأنها لا زالت 'آخر من يعلم' عندما يتعلق الأمر بالقضايا الإستراتيجية.
رئيس الوزراء الأردني وفي أكثر من جلسة مؤخرا قال بأن الملف السوري هو الهم الأكبر الذي يشغل بال بلاده ومؤسساتها ملمحا لمرحلة صعبة جدا ومعقدة لابد من تجاوزها وفي عمق مجلس السياسات الذي يعتبر المؤسسة الأكثر أهمية في صناعة إستراتيجيات الدولة تحسب الإحتمالات بالتفصيل الممل بموازين الخسارة والمكسب إذا ما حصل تحول أكبر في الموقف الرسمي من الصراع الدائم في سورية.
الأنظار تترقب ما وصفته مصادر في السفارة الأمريكية للقدس العربي بـ'إجتماع مهم للغاية' سيعقد قريبا في السعودية على مستوى القمة والزعماء والأردن سيشارك بصورة أساسية في هذا الإجتماع , ومن المتوقع أن تعقبه إجتماعات فنية ومهنية ذات طابع أمني بين عدة دول تستضيفها السعودية وتشارك بها تركيا ويقودها وراء الكواليس نجم الأمن الجديد في الرياض الأمير بندر بن سلطان. وعلى الأرض وبوضوح إتخذ الأردنيون إحتياطات لأسوأ الإحتمالات على الحدود مع سورية والفرصة متاحة اليوم فيما يبدو لتغيير قواعد لعبة التنسيق مع الجيش السوري الحر عبر توسيع مساحات التنسيق العملياتي تحت حجة بأن رجال الجيش الحر هم الموجودون عمليا في الميدان على جبهة واسعة من الحدود الطويلة مع الأردن.
بمعنى آخر يقول الأردنيون بأن الوضع الميداني على الأرض قد يجبرهم على توسيع قواعد التواصل مع الجيش السوري الحر بمحاذاة سبع قرى على الأقل يفصل بين جناحيها الأردني والسوري شيك حديدي فقط.. لذلك يعتقد خرجت وعبر الجزيرة تحديدا الرسالة الأردنية التي تقول عمليا وضمنيا بأن الجيش النظامي في الواقع 'غير موجود' على الحدود مع الأردن فهذا الواقع قد يستثمر لاحقا.
السياسي الأردني المخضرم ممدوح العبادي يصر على إعتبار حادثة الجمعة الماضية شكل من اأشكال الإحتكاك وليس الإشتباك العسكري لكن الدوائر التي تحدثت عن الموضوع خصوصا للإعلام الخليجي توحي ضمنيا بأن الشفافية المفاجئة في المسألة الحدودية قد تمهد لشيء ما قريبا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق